في مأزق التأرج بين التوقيت المستمر والتوقيت السابق
الثلاثاء 10 يونيو 2014 - 10:10
من المنتظر أن ينعقد يوم غد الثلاثاء اجتماع المجلس الأعلى للوظيفة العمومية تحت رئاسة رئيس الحكومة السيد عبد الإله بن كيران بمشاركة الفرقاء الاجتماعيين وعدد من الخبراء لمدارسة بعض المشاريع القانونية المتعلقة بإصلاح النظام الأساسي للوظيفة العمومية وتدبير وتأهيل الموارد البشرية (إعادة الانتشار، والتكوين المستمر) وكذا فتح المجال لإمكانية التعاقد والتشغيل غير الدائم بمقتضى عقود لتلبية حاجات الإدارة. والحقيقة، أن مجرد عقد هذا الاجتماع يعتبر في حد ذاته تطورا مهما، لأن تعثر انعقاد هذا المجلس الذي تأسس سنة 2000، واستئثار الحكومات السابقة باتخاذ قرارات تهم الإدارة والوظيفة العمومية بافتئات على هذا المجلس جعله أشبه ما يكون بمجلس فاقد للجدوى. نعم ثمة وجهات نظر مختلفة في تقدير الإصلاحات التي ينبغي للإدارة أن تنخرط فيها، ومؤكد أن جملة قرارات لن تكون سهلة دون حصول توافقات بشأنها مع الفرقاء الاجتماعيين، لكن مهما يكن الأمر، فلم يعد من الممكن أن يتأجل هذا الورش الإصلاحي الذي يفترض أن يطال الموارد البشرية، وعلاقة الإدارة بالمرتفق، وكذا تعزيز منظومة الحكامة داخل الإدارة المغربية. قضية توقيت الإدارة نقطة مهمة في مشروع الإصلاح، لكن التسرع في معالجتها يمكن أن يعيد الوضع أكثر سوءا من سابقه. صحيح، أن صيغة التوقيت المستمر كشفت عورات كثيرة في فاعلية ونجاعة الإدارة المغربية، وصحيح أيضا أن هذا التوقيت الذي كان من المفترض أن يعزز مردودية الموظف، ويقلص مساحة الزمن المهدور لفائدة الإدارة والموظف معا، انتهى إلى عكس مقصوده، وذلك بتحويل نصف الساعة المقررة قانونيا لوجبة الغذاء إلى سيولة زمنية غير مقدور على الحد من امتدادها، بحيث أصبحت الإدارة المغربية في أغلب مرافقها شبه مشلولة بين الزوال والساعة الثانية والنصف. لكن، ذلك لا يعني بالضرورة أن العطب يوجد في الصيغة، فهذه الظواهر كانت موجودة في الصيغة السابقة، وكان معها ما هو أسوأ منها، وهو حالة الاكتظاك في سير المرور، والتأخرات التي تأخذ ساعة أو أكثر في بداية العمل الصباحية والمسائية، هذا فضلا عن الارتباك داخل الأسر المغربية بسبب اختلاف توقيت مدارس التعليم مع توقيت الإدارة المغربية. إن التقييم السليم لا ينبغي أن يتأسس على دراسة أعطاب التوقيت المستمر كما تم اعتماده، وإلا سنبقى في دائرة تناوبية مغلقة، نعتمد هذا التوقيت، وبعد فترة، نقيمه، ثم نعود للتوقيت السابق، وهكذا في دورة لا تنتهي، والدراسات في ذلك لا تعدم تقديم الخلاصات المدعمة لهذه الصيغة أو تلك ما دامت الأعطاب كثيرة وظاهرة. التقييم ينبغي أن يذهب إلى زاوية أخرى، غير تقييم الصيغة، فالعطب إذا كان في الثقافة وشكل تمثل الموظف لصيغة التوقيت، فإن أي صيغة يتم اعتمادها ستجد التكيف السهل من قبل الموظف، وسيكون بإمكانه أن يطوعها للثقافة التي تبرر له التهرب من أداء الواجب المهني بشروطه القانونية. بمعنى، ينبغي أن نركز عند تقييم التوقيت المستمر على الآليات التي تم إغفالها، والأطر القانونية المعززة، قبل أن نضع فاعليته ونجاعته على طاولة النقد، فالموظف الذي لا يجد مطعما في إدارته، لا يمكن أن نحاسبه على السيولة الزمنية التي يضيعها، والإدارة غير الشفافة التي لا تعلن عن مواعيد اجتماعات المسؤولين لا يمكن أن تعلل الغيابات المتكررة لمسؤولي الأقسام والمصالح بحجة الاجتماع لدى المصالح المركزية، والإدارة التي لا تبذل للموظف حق التكوين المستمر، لا يمكن أن تنتظر منه تسهيلا لمأمورية المرتفق، وتبسيطا للتعقيدات التي يجدها المستثمر. الخلاصة، ليس لدينا أي موقف من هذه الصيغة أو تلك، لكن، نخشى أن نبقى دائما نتأرجح بين هذه الصيغة وتلك، نجرب الأولى، ونعود للثانية بعد أن نيأس من قدرة الأولى على إنتاج المخرجات الإيجابية التي ننتظرها، ثم نعيد الكرة. لأجل ذلك، المطلوب اليوم، قبل أن نقدم على قرار جذري، هو أن نمضي إلى الخطوة الثانية المتعلقة بالإجراءات المصاحبة التي لم نعتمدها لإنجاح التوقيت المستمر، ثم نترك للتجربة مساحتها الزمنية، ثم نمارس عندها تقييم الصيغة. ملاحظة الوزير الأسبق للوظيفة العمومية السيد امحمد الخليفة جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار، إذ ليس هناك أذكى من قتل المشروع عبر إعطابه منذ البداية بتجريده من الآليات المصاحبة التي تقوي منعته، وليس هناك أعبث من تنقل النحلة بين هذه الزهرة وتلك، دون أن يكون لها القدرة على أخذ ما يكفي من الرحيق منهما لإنتاج العسل
0 التعليقات: