اخر المواضيع

ما جدوى النقل المباشر لجلسات البرلمان!







هناك سنة غير حميدة أو بمعنى أدق بدعة ابتدعها التلفزيون العمومي المغربي، يبدو أنها تعود إلى أيام القناة الواحدة وقلة البرامج لملئ الفراغ، وهي النقل المباشر لوقائع جلسات غرفتي البرلمان: النواب والمستشارين، وهي البدعة التي لا ينافسنا فيها أحد من دول العالم لا العربي الذي تجمعنا به أشياء مشتركة ولا الدولي الذي يحترم ذكاء وانشغالات مواطنيه ولا يريد تعكير مزاجهم واستفزاز مشاعرهم من خلال نقل جدال وصراخ أناس يضحكون على عقول المواطنين. أتصور أن استطلاعا للرأي يشمل فئات المجتمع المغربي ستكون نسبته الكبيرة إن لم نقل المطلقة ضد نقل تلك الجلسات التي تضحك وتثير سخرية من قدر له من المواطنين والأجانب مشاهدتها، خصوصا وأنها باتت لا تخرج عن إطار تبادل التهم بين الفرقاء من التكثلات الحزبية في الغرفتين وبين ما يسمى المعارضة والوزراء في جو من قلة احترام الرأي والرأي الآخر وقلة احترام حق المتدخل في الكلام وخاصة من قبل بعض "نواب المعارضة" لبعض الوزارء في تصفية واضحة لحسابات حزبية ضيقة لا تخدم المواطن المغلوب على أمره في شيء اللهم بازعاجه وزيادة الاستهلاك في فاتورة الكهرباء نتيجة متابعته للجلسة ورفع ضغطه. ولا ندري ما الهدف من إصرار جميع المتعاقبين على إدارة التلفزيون الوطني بكل قنواته العمومية التي تتكفل بنقل الجلسات على الهواء مباشرة وعبر الأقمار الاصطناعية أيضا لنشر غسيل مشاكلنا الداخلية وهزالة ثقافة الحوار وتقبل الرأي الآخر عند نوابنا ومستشارينا "المحترمين" الذي يجيدون العويل والصراخ وجدل المقاهي أكثر منه بإجادة حوار وثقافة تغليب المصلحة العامة وخدمة المواطن الذي كان قدره أن اختارهم "مجبرا" ويدفع رواتبهم من أمواله غير مخير. إذا كان البرلمان في كل الدول الديمقراطية واللاديمقراطية سواء، يرتبط وجوده بتشريع القوانين والتصويت عليها ومراقبة تنفيذها على أرض الواقع، فإن المعيار مختل بالنسبة لبرلماننا إذ إننا لم نسمع عن تمريره لأي نص قانون تشريعي ونحن في منتصف ولايته وزيادة اللهم قانون أو اثنين بلا قيمة ولا تأثير فيما يقضي النواب والمستشارون، إلا من رحم ربي وهم قليل، وقتهم بين الانشغال بمصالحهم الخاصة والغياب عن الجلسات الأسبوعية وبين النوم على كراسي المجلس المريحة وبين طرح أسئلة بعيدة كل البعد عن عكس هموم وانشغالات المواطنين وتطلعاتهم هدفها المعارضة من أجل الشعبية وتوهيم الرأي العام. كان من المفروض على القائمين على التلفزيون العمومي المغربي توفير الجهد والعناء لنقل جلسات الضجيج والفوضى في المجلس بغرفتيه لتغطية جهوية لمشاكل المواطنين في الأماكن النائية من خلال تقارير مصورة تنقل الواقع المعاش هناك بدلا من سماعه من نواب تلك المناطق الذين لم يزورونها إلا خلال الحملة الانتخابية وأتحدى الكثيرين منهم أن يقوموا باستطلاع رأي في المنطقة التي يمثلونها عن اسم من يمثلهم في البرلمان أن يذكروا أسماءهم! أما إذا كان لنقل بعض الجلسات فائدة وهذا أمر مشكوك فيه فإن هناك برنامج يدعى"مجلة البرلمان " تلخص في دقائق أهم ما جاء في تلك الجلسات بعيدا عن الصراخ وقلة الذوق والاحترام والتراشق بالكلمات التي فيها كثير من كلام المقاهي واللهجة السوقية. من الطبيعي أن تحدث بعض الاشتباكات والحدة في الكلام في البرلمان حتى في الدول المتقدمة والديمقراطية، ولكن من المؤكد أن لا يكون ذلك بسبب حسابات ضيقة وحزبية وبهدف المنفعة الشخصية كما هو حالنا بل لأمر هام أو خطأ جسيم يمس ويهدد الأمة في كيانها وقد يصل الأمر أحيانا إلى التراشق والاشتباك بالأيادي حتى. أذكر أنه في السنوات الماضية وخصوصا في منتصف الثمانينات إلى منتصف التسعينيات كان النواب يبدون في الجلسات العمومية وهم يقرأون أسئلتهم الشفوية المبرمجة باحترام وهدوء وتلعتم وكأن الواحد منهم في حصة اختبار شفوي ولا يتجرأ على الصراخ والعويل سواء اختلف أم توافق مع الوزير المسؤول خاصة إذا كان السؤال موجه لوزارة الداخلية أو رئيس الوزراء فيكون الواحد منهم في غاية الأدب ومن يتجرأ يقطع عليه الإرسال ويحاسب حتى يعود عن فعلته، فلماذا لا نأخذ الجميل من تلك الفترة أي التحلي بالرقي والاحترام طواعية واحترام رئيس الحكومة والوزراء ويحترموا هم أيضا النواب والمستشارين وتحترم"المعارضة" الأغلبية في الحوار وتسائلها بالمنطق والحجة والهدوء بعيدا عن العويل والسينما والبهرجة فنكون أمام نموذج راق يعكس أصالة وتسامح المواطن المغربي الراقي.


0 التعليقات: