بوتشيش يسلط الضوء على المهمشين في تاريخ الغرب الإسلامي
السبت 03 ماي 2014 - 19:15
ازدانت المكتبات المغربية بمؤلف للدكتور إبراهيم القادري بوتشيش، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، موسوم بعنوان "المهمشون في تاريخ الغرب الإسلامي: إشكاليات نظرية وتطبيقية في التاريخ المنظور إليه من الأسفل"، عن دار رؤية للتوزيع والنشر، طبعة القاهرة 2014. وحدد بوتشي أهداف دراسته في مقدمة الكتاب، الذي يقع في 310 صفحة موزعا على 11 فصلا، حيث أكد أن التاريخ العربي يحفل بثورات وانتفاضات وحركات احتجاج خلفت دويّا كبيرا في حينه، بيد أنها لا تظهر اليوم في ثنايا الإسطوغرافيا إلا بشكل باهت، بل نكاد نجهل كل شيء عن أهدافها ومراميها التي تمّ طمسها أو تشويهها حين صوّر زعماؤها كشرذمة من السفلة والأوباش والعصاة والمارقين والخارجين عن الجماعة". بوتشيش يوضح أن القول نفسه ينطبق على فئة عريضة من مجتمع الغرب الإسلامي الوسيط، وهي فئة العامة والمستضعفين، فعلى الرغم من الأدوار الشامخة التي لعبتها داخل مجتمعاتها، فإنها لم تذكر في المصادر التقليدية إلا بنصف الكلمات، وهو أمر بديهي إذا وضعنا في عين الاعتبار موقع المؤرخ الاجتماعي، وموقفه من صراع الحاكم والمحكوم، والتوتر الذي ميّز علاقة الطرفين، بالإضافة إلى مكوناته الثقافية ونظرته القاصرة للتاريخ. الكتاب يذهب إلى أن معظم الفئات المستضعفة وجلّ الحركات والانتفاضات في الغرب الإسلامي قد تعرّضت للظلم والافتراء، إما بإحراق تراثها والعبث به من طرف الحاكم، أو تجاهلها وتهميشها من قبل المؤرخ، وإما بالطمس والسكوت، وهو أسلوب " ذكي" في الظلم وعدم الإنصاف، مما يفرض على الباحث النزيه إعادة تقييم هذه الحركات المظلومة بنقد وخلخلة ما هو متواتر، وإعادة الدراسة والتحليل انطلاقا من نظرة شمولية تربط هذه الحركات بواقعها، وبالمعتقدات والنظم السائدة..". هذه الأهداف شكلت جوهر كتاب بوتشيش، الذي لم يضع صاحبه على عاتقه مهمة الدفاع عن هذه الحركات المظلومة نظرا لانعدام دعواها، بقدر ما سعى إلى محاولة إزالة ما لفّها من غموض، وما شابها من دسائس المؤرخ الرسمي، وما علق بها من مسخ وتحريف، و"فك الحصار" عن فئات اجتماعية لم ينصفها المؤرخون، ولم يسمحوا لها بالظهور على واجهة التاريخ حين همشوها، وسعوا إلى إلقائها في سلّة مهملات التاريخ. ويسعى الكتاب الجديد أيضا إلى الإنصات لمن لا صوت لهم في التاريخ ، سواء من المستضعفين الذين حاول المؤرخون طمس أخبارهم والتعتيم عليهم، أو من الحركات المظلومة التي تعرضت لدسائس المؤرخ وتأويلاته المغرضة ما يجعل منها مادة صالحة للنقد والتحري والإنصاف. بوتشيش من خلاله دراسته استنتج أن تاريخ المهمشين والمنبوذين لا يزال ملفا مفتوحا ومشروعا علميا قابلا للتعديل والإضافة، ولا يزال يحتل مركز الصدارة في ساحة النقاش بين المؤرخين الذين أصبح لديهم اقتناع بأن اختزال حركة التاريخ في تاريخ سلطاني أو نخبوي لا يعدو أن يكون تاريخا مبتورا يعبّر عن سطحية الحدث التاريخي بدل عمقه. ويخلص المؤلف إلى أن "ما يعرف بالتاريخ المنظور إليه من الأسفل Histoire vue d´en bas سيظل حاجة ملحة لتصحيح مسار الكتابة التاريخية، وإعادة الاعتبار لمن كان لهم دور في تحريك مجرى التاريخ من صناع وحرفيين ومزارعين وباعة متجولين وغيرهم من عامة المدن والبوادي".
0 التعليقات: