اليوم خمر وغدا أمر .. هكذا عاش شعب اليسار "حفل الإنسانية"
الاثنين 15 شتنبر 2014 - 19:05
نقاشات فكرية ساخنة وحملات للتضامن مع الشعوب المضطهدة، وتعريف بقضايا الأقليات، والتعبئة لتوقيع عرائض التضامن وتقديم منتوج التعاونيات وتنظيم المسيرات، والرقص أمام منصات السهرات..أنشطة غيرت ملامح منطقة "لاكورنوف" بمناسبة حفل الإنسانية لسنة 2014، الذي اختتم مساء أمس الأحد. لغة الأرقام سنة 1930 قرر الشيوعي الفرنسي ومدير نشر جريدة Humanité ، مارسيل كاشان، تنظيم حفل اختار له اسم المؤسسة الإعلامية نفسها التي يديرها "الإنسانية". تحولت هذه الكلمة السحرية إلى مغناطيس يجذب أصحاب الأفكار الحمراء من كل أنحاء العالم، فبلغ الحفل هذه السنة عقده الثامن (84 سنة)، واجتمع على أرضه المشكلة من سبعين هكتارا، الآلاف من اليساريين الذين قدموا من ثمانين دولة. وتوزع هؤلاء اليساريون بين 450 خيمة بأحجام مختلفة، ورقصوا أمام خمسين منصة بالتمام والكمال، كما تقاسموا نقاط الاتفاق، وأزبدوا ثم أرعدوا أمام نقاط الخلاف في أزيد من مائة ندوة أو عرض، ناهيك عن النقاشات المرتجلة هنا وهناك. لا صَحْوَ اليوم، و لا سُكْرَ غدا لم يحضر امرؤ القيس فوق صهوة جواده "حفل الإنسانية"، غير أن بيته الشعري المعروف الذي يقول فيه "لا صحو اليوم ولا سكر غدا، اليوم خمر وغدا أمر"، قد ينطبق تماما على هذا الحفل الكبير. ما أن يسدل الليل ستاره على شمس فرنسا، التي لم تغب في شهر شتنبر، حتى يبدأ الآلاف من الزوار في التوافد على مكان الحفل لتذوق مطبخ العالم المعروض في مئات الخيام، صحبة كؤوس مملوءة بالبيرا أو النبيذ الذي يذوب الحدود بين الحاضرين ليدخلوا بتلقائية في نقاشات مشتركة أو رقصات جماعية. تلك الرقصات كان يختلط فيها إيقاع التراث الكردي بآلات النفخ الاسكتلندية، وبالأغنية الشعبية المغربية المنبعثة من خيام اليسار المغربي الذي فك عقدته مع الموسيقى الشعبية، فعوض أميمة الخليل بالحاجة الحمداوية. وعند الصباح يستفيق "شعب اليسار" من ثمالته لإعداد الخيام وتنظيم الكتب وإعداد الفضاءات للقادم من الأنشطة. "الاختلاف" ماركة مسجلة في حفل الإنسانية كل شيء مختلف، وكل مختلف يحظى بالاحترام، إنها القاعدة في فضاء عنوانه المشترك الإنساني. أناس مختلفون في هندامهم، فتجد من يمشي بـ"بينوار" منزلي، وخوذة عسكرية للجيش السوفياتي، في مشهد سريالي، دون أن يثير الأمر انتباه أحد. الاختلاف و الابتكار ليس حكرا على الهندام فقط بل على الأفكار أيضا. كؤوس البلاستيك، القابلة للتدوير تسخر من ساركوزي، ورؤوس الخنزير المشوية والمعروضة للبيع تحمل اسم فرنسوا هولاند، أما بعض الشباب الذين رق حالهم للنساء الواقفات أمام الصفوف الطويلة للمراحيض فقد اخترعوا ورقا مقوى يُمَكِّنُ النساء من استعمال المراحيض وهن واقفات دعما للمساواة. الرياضات أيضا لم تسلم من هذه القاعدة، فقد خصصت فضاءات للرياضة الحضرية حيث فتح المجال لإدخال أفكار مبتكرة على أنشطة جسمانية كلاسيكية. وعلى مستوى الندوات قد يسمع الزائر عن ندوة تتحدث عن "الطبقة العاملة في الصناعة الرقمية". المنصة الكبرى المنصات التي تحتضن عروضا فنية، وخصوصا الموسيقية منها كثيرة جدا، وقد يجد الزائر منصة في ركن شارع "هيكو تشافيز" أو شارع شكري بلعيد، أو وسط كل محج من المحجات التي تحمل أسماء ساسة أو مفكرين محسوبين على اليسار. فوق هذا المنصات تجد عددا من الفنانين الحاملين في طيات عملهم الإبداعي قناعات سياسية حمراء لا لبس فيها. أغنية تسخر من الباطرونا، وأخرى من الهيمنة الذكورية وثالثة من الحرب، ورابعة من الاستعمار و هكذا. أكبر المنصات احتضنت أسماء فنية وازنة كمجموعة "سكوربينز" و "ألفا بلوندي" و"برنار لافيليي" و غيرهم. هذه المنصة استضافت ليلة السبت، حسب أرقام اللجنة المنضمة، 600 ألف متفرج بمناسبة حضور مجموعة IAM التي تحولت إلى واحدة من أشهر مجموعات "الهيب هوب" الملتصقة بالقضايا الاجتماعية في فرنسا.
0 التعليقات: