الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله بين المواطنة المنفتحة والمواطنة العالمية
الاثنين 15 دجنبر 2014 - 14:16
من زاد عنك في التخلق زاد عنك في المواطنة، و التخلق استثمار في السلوك و المعرفة و إبداع في مراتب الأخلاق. إن الإحسان في الأخلاق يبني " المواطنة المنفتحة " لا " العادات الأخلاقية "، فالمتخلق أكثر استعدادا أن يواطن غيره أيا كان منشأه و مذهبه، يشاركه في الحقوق و المسؤوليات. المواطنة المنفتحة ارتقاء نحو المؤاخاة، و أخوة في الدين و أخوة في السياسة و تخلق بالاقتداء لا بالتأمل. المواطنة تورث متخلقا عن متخلق كما يورث القول راوية عن راوية، و في مواطنة الإمام رحمه الله إرث و مدرسة للأخلاق. إن تخلق المواطن بأمته ارتقاء بهمته، و لا همة بدون أخلاق، و التخلق تجسيد للصحبة و الأخوة و تحقيق للآدمية و لمصالح الإنسانية جمعاء. إن التخلق من الخلق و التدين و من الدين و الانقراء من القرآن، أن تقرا القرآن حين تقرأه، تقرأ القرآن كي يصبح خلقا ، و التخلق النبوي تخلق قرآني و المتخلق يجتهد في البحث عمن تحقق فيه التخلق النبوي، و هل في البشرية أعظم من خلقه، و هل في المراتب أعلى من خلقه العظيم، فعطروا فمكم بالصلاة على النبي.( إن الله و ملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما ) إن التخلق لا يجمع شمل المواطنين فقط بل يرتقي بالمواطنة إلى الكرامة، و يصبح التطابق بين المواطن و الإنسان. إن التخلق عند الشيخ رحمه الله تخلق قرآني يبني حضارة الفعل لا حضارة القول، و التخلق القرآني تخلق بأسماء الله و صفاته، صفات الحي الذي لا يموت، و كل صفة تطوي في ذاتها كل الصفات، فلا صفة إلا و تتمتع بصفات الحياة ، فإذا تحقق المتخلق بأحد أسمائه الحسنى فهو يحيا حياة ليس كمثلها شيء، فتصبح الأفعال ملآى بالحياة و تشترك جوارح الجسد بالروح. إن التخلق بالقرآن مواطنة للبشرية و للمجتمع الآدمي الأخوي، يرى رحمه الله في كتاب "إمامة الأمة" أن الله عز وجل خلق الإنسان وهيأه لكرامته في الدنيا باعتباره من بني آدم، و جعل له أهدافا تتجاوز وجودَه، حددَها تعالى، علاقةُ الإنسان بأسْمَى منه وهو المجتمع الأخوي، وعلاقة هذا المجتمع بأسمى منه وهو الله (عز وجل)، فلا سلم سلطوي و لا اضطهاد إنسان لإنسان. فالإنسان ليس حقيقةً منفردة منعزلة،لكنه جزء من كلِّ أكبرَ،هو المجتمع الأخوي. إن التخلق نهوض بالإنسان وتخليص له من قيود الاستبداد ، و الأمة لا تتأسس على الأخلاق فقط، بل تبدعها و تجددها، فالأخلاق تبلى لكنها تجدد بالتخلق، و التخلق يتجدد كما يتجدد الإيمان، و يزيد و ينقص شأن الطاعات و للتخلق مراتب و إحسان و في ذلك فليتنافس المتخلقون و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
0 التعليقات: