الأغلبية الهاربة وسؤال ربيع العرب
الخميس 15 ماي 2014 - 10:19
في خضم الجدل الذي إثارته الانتفاضة العربية بشأن ما إذا كانت هذه الانتفاضة ربيعا عربيا أو مجرد سحابة طيف مكرسة للعجز الديمقراطي العربي الذي أكده المستشرقون في كتاباتهم منذ مدة طويلة. هذا التنضير الذي لم يتلق أية مبادرة عملية مخالفة، مما أضحى معه المجتمع العربي مستمرا في سباته العميق رغم تأرجح قليل من الأمل بين المد والجزر. وبعد أحداث 2011 الذي أربكت المنضرين أنفسهم أطلت علامات الاستفهام حول مدى اعتبار هذه الأحداث صحوة عربية قد تؤدي إلى تغيير حقيقي، وبالتالي فالأمر قد يكون متعلقا فعلا بربيع عربي أم المسألة قد لا تعدو أن تكون صدقة عجيبة قد ينتهي نجمها إلى الأفول بسرعة ؟ لقد أكدت منظمة فريدور هاوس الأمريكية في أحد تقاريرها بأن التحول الديمقراطي في دول ما يسمى بالربيع العربي مهدد بسبب غياب الإصلاح المؤسسي، وعجز الأنظمة الجديدة عن إعادة الأمن والاستقرار، فضلا عن إبداء جهات أخرى قلقها من النزاعات الطائفية التي حملها الربيع العربي في طياته، فضلا أيضا عن احتمال حصول تحول جوهري قد يغير توجهات الأنظمة العربية بشكل يقربها من قوى إقليمية وعالمية كبرى على حساب العلاقات التقليدية مع الغرب. وهكذا تأرجحت الآراء بين متفائل من المولود الجديد ومتشائم منه، وفعلا انطلقت تداعيات الربيع العربي في مختلف الدول العربية رغم أن التجربة الجديدة للبناء والتغيير مازالت في بدايتها إذ الملاحظ أن تناقضات غير مسبوقة تعيشها هذه التجربة التي جعلت الباحث والمهتم في حيرة لم يجد بدا منها. وما يمكن استخلاصه من كل ذلك هو انعدام إرادة سياسية طامحة لتحقيق الديمقراطية أو الانطلاق في هذه التجربة على الأقل، لأن التنافس إذا كان سياسيا فالغالب هو من يحكم، وإذا كان التنافس اجتماعيا فإنه ينتج ديمقراطية طائفية وهو ما حصل في بعض الدول العربية التي أصبحت تتأرجح في فلك قد لا يحمد عقباه. صحيح أن المغرب قد استبق هذه الأحداث بإصلاحات جعلته في موقع مريح، إلا أن خلاصة ما ينبغي الإشارة إليه هو هل العقلية العربية بدأت في التغيير لأنها أس المسألة وأس الحل؟ فبدون تغيير هذه العقلية لن تنطلق صحوة التجديد والإبداع الذي هو أساس التغيير، لأن تغيير العقلية السياسية يؤدي حتما إلى تغيير التدبير والهندسة على مستوى مختلف القطاعات المجتمعية، فإذا كانت الديمقراطية مؤسسة على توفر أغلبية ضاغطة، فهل يمكن تصور وجود أغلبية في المجتمع العربي هاربة من الأقلية التي لا تأثير لها ؟ إن المراحل التي مرت منها الأمة وخاصة ما عاشته بعد أحداث 2011 من متناقضات اجتماعية قد يوحي للمهتم أن تعيش هذه الأمة ما لم يكن في الحسبان، وقد يتحقق ما هو غير مؤسس على أي أساس، وبالتالي قد يتحقق مفهوم الأغلبية الهاربة وهي مسألة لن تصدم الرأي العام العربي لوجود متناقضات مجتمعية أكبر من ذلك بكثير. لذلك فإن الديمقراطية التي ينادي بها في هذه المجتمعات إنما هي مجرد شعارات تسويقية ومازالت العقلية العربية لم تسوعبها ولا وجود لمبادرات عملية من شأنها الاستئناس مستقبلا لتغييرات جوهرية قد تدفع عجلة الديمقراطية إلى الأمام وإذا حصل شيء من هذا القبيل، فلن يتحقق إلا على المدى الطويل. - محام بهيئة الرباط
0 التعليقات: