اخر المواضيع

يا حفذة "ميس ن يزا"، إحذروا التماهي الحزبي المدسوس







ما السر الذي جعل بعض الأحزاب تهيم في متاهات غسق القوميات الممسوخة!! وإذا بها من فرط خشيتها من بزوغ فجر أمازيعي واعد بتصحيح التاريخ على أرضية من المحبة والتعايش والتساكن في هذا الوطن، تحاول اليوم أن تتزين فلكلوريا بالزي الأمازيغي في عملية التفاف واحتواء لتقويض المسار التاريخي والواعد لأبناء هذه الحركة الذين آلوا على أنفسهم مواصلة النضال في مقاومة انقراض الهوية بكل تؤدة وحزم. فالقضية الأمازيغية قضية مصيرية امتزجت فيها حكمة القيادة العليا وقرائتها التاريخية لمكونات الهوية المغربية مع هاجس أمة ترفض أن يطالها النسيان ويمحوها الزمان. هذا التفاعل بين القيادة والقاعدة لم يكن وليد اللحظة ولا ابنا غير شرعي أو عاق يبحث عمن يحضنه. فقد ولد من رحم التاريخ الممتد في عمقه إلى ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين قرنا. وإدراكا منها بالمخاطر المحذقة بالهوية المغربية ومحاولات النيل منها عبر الاستهداف الذي طال المكون الأمازيغي سواء ما قبل الاستعمار الفرنسي بكثير أوخلال مقاومته أوما بعد الاستقلال بفعل الفكر القومي الممسوخ الآتي من الشرق على مدى القرن الماضي، سارعت القيادات الرشيدة المتمثلة، في شخص الملك الراحل الحسن الثاني وجلالة الملك محمد السادس، إلى إعادة الاعتبار للهوية الأمازيغية وتصحيح الخلل والحد من الارتجاج الاثني ووقف المسلسل الممنهج في التطهير اللغوي والعرقي، وذلك بالاحتفاظ على الشخصية الأمازيغية والاعتراف بجذورها في سياقها التاريخي وملائمة ذلك مع وضعها وحضورها وتمكينها من مقومات المناعة في بيئة مغربية تأبى الإقصاء أو التهميش. ومطلب الأمازيغ كان على الدوام وعلى مدى القرون مطلبا شرعيا وهو تأكيد الذات والهوية في بيئة يفترض أن تومن بالتعدد والتنوع والاختلاف. وربطا بالماضي مع الحاضر، وإلى عهد قريب أي في أواخر القرن الماضي تجددت سلسلة من المطالب الأمازيغية على مستوى المجتمع المدني توجت "بميثاق أغادير" الذي شكل أرضية للنهوض باللغة والهوية، وذلك بتقديم مطالب واضحة ودقيقة تميزت بطابعها السياسي الرامي إلى دسترة الأمازيغية وإدماجها في المنظومتين الإعلامية والتربوية. وبعد مضي أربع سنوات أي عام 1994كان الرد الرسمي للدولة هو التعاطي الإيجابي مع تلك المطالب من خلال الخطاب الملكي التاريخي للمغفور له الملك الحسن الثاني في شهر غشت 1994 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، ويا لها من رمزية، حيث رسالته للجميع كانت واضحة تجلت في تفضيل جلالته للغة الأمازيغية عن اللغات الأجنبية ودعا إلى إدخالها في المنظومة التعليمية والتربوية باعتبارها "شريكة في فعل تاريخنا وأمجادنا". وفي عام 1999 توالت مطالب بعض الهيئات والجمعيات الثقافية الأمازيغية باتجاه تكريس هذا المطلب بعد أن دعت إلى الاعتراف باللغة الأمازيغية والسعي إلى إدماجها في االميثاق الوطني للتربية والتكوين المعروف "بالكتاب الأبيض" . والحدث البارز والأهم الذي ميز هذا المسار تجلى في الخطابين الملكيين المتتاليين وهما: خطاب العرش ل 30 يوليوز 2001 وخطاب أجدير التاريخي ل 17 أكتوبر 2001. ففي خطاب العرش، وما يحمله من رمزية للولاء، دعا جلالته إلى إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية . وبعد مضي ثلاثة أشهر فقط، وفي ذلك دلالة لإرادة ملكية لمن أراد أن يفهم وأن يستوعب، أصدر جلالته ظهيره الشريف المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وألقى خطابا تاريخيا بالمناسبة عرف "بخطاب أجدير"، أوضح فيه أن الأمازيغية التي تمتد جذورها في أعماق تاريخ المغرب هي ملك لكل المغاربة، وأن الأمازيغية مكون أساسي للثقافة الوطنية ، وتراث ثقافي زاخر وشاهد على حضورها في كل معالم التاريخ والحضارة المغربية. كما دعا جلالته إلى النهوض بها وإيلائها عناية خاصة في إنجاز مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي قائم على تأكيد الشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية. واعتبر أن النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية لأنه لا يمكن التنكر لجذورها التاريخية. هذا الحرص الملكي المتزايد والمتعاظم بإعادة الاعتبار لهذا المكون الهام في الهوية المغربية توج مع مرور السنين بدستور جديد وطني ديمقراطي مصون وحاضن لكل المغاربة تمت تزكيته باستفتاء شعبي عريض عام 2011 الذي أقر باللغة الأمازيغية كلغة رسمية شأنها في التساوي كشأن شقيقتها اللغة العربية. المنعطف في غاية الأهمية ومصيري في تاريخ الأمازيغ و الحركة الأمازيغية. فالإنجازات التي تحققت ينبغي عدم التفريط فيها. فالمرحلة تقتضي قدرا كبيرا من الحكمة والتبصر والتحرك العقلاني والهادف لتعزيز هذه المكتسبات الدستورية وتطويرها. فالساحة لا تخلو من متربصين لأي تهور أو اندفاع يمكن تجييره في غير صالح القضية. ولعل الحكمة تقتضي أيضا قطع الطريق عن أولئك الذين لا ينظرون بعين الرضى إلى هذا المنحى الإيجابي. ومن أجل ذلك، ينبغي أن تكون مواعيد حاضرنا ومستقبلنا على درجة كبيرة من التطابق مع مبادئ وقناعات وأجدادنا الأمازيغ. فقد كانوا على الدوام دعاة توحيد وضد التفرقة أو الانفصال كما هو في عهد الموحدين. والسلف الصالح من الأمازيغ كان حاضنا للدين الإسلامي لما جاءهم أهل البيت من الشرفاء هادين ومرشدين، وليس كمثل الغزاة الذين سبقوا أهل البيت فحوربوا بشراسة وقتالية الأمازيغي الحر الطليق. كما أسهم هذا السلف إسهاما وافرا في حمل الدعوة إلى أوروبا وفي الدفاع عن دار الاسلام، وما كان لديننا الحنيف أن يتوقف عند حدود الأندلس " ما لم يخربها من الداخل المجان والفساق بلياليهم الحمر وتباريهم في التبذخ والتبجح والتنعم، وعلى ابتذال لغة القرآن في أشعار ينذى لها الجبين من السفه والخلاعة". والأمازيغي بطبعه ملكي النزعة في تقاليده وقناعاته منذ التاريخ السحيق قبل الميلاد بدءا من الملك "شيشونك" ومرورا ب "باسنيس"و "ميدغاسن" و"مسينيسا" (ميس ن يزا) و"يوغرثا" ويوبا الأول ويوبا الثاني والقائمة طويلة إلى حين وصول الأمبراطوريات التي تعاقبت على المغرب من سلالات أمازيغية اتخذت من الملكية نظاما لحكمها . والقاموس الأمازيغي عبر التاريخ يتميز عن غيره من القواميس، سواء تلك التي أنشأها الله أو تعارف عليها العباد، بمصطلح "أكليد" أي الملك. فتاريخه لا يزخر إلا بذلك، فهو على العهد وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. سياقات الوحدة والدين والملكية هي من الثوابت الأمازيغية وينبغي استحضارها والتشبث بها أيما تشبث في هذه المرحلة التاريخية والمصيرية لتفويت الفرصة على المشككين في النزعة الأمازيغية، همهم الوحيد الإبقاء على وضعية تكرس مصادرة حقوقهم الآدمية في الهوية والأصل، والتنكر لحقوقهم الثقافية والتربوية في إطار التعلم وتعليم اللغة وعدم الاعتراف بحرف "تيفيناغ "، والإبقاء على التراث الأمازيغي محصورا في طابعه الفلكلوري والمناسباتي، وبالتالي القضاء كليا على كل مقومات وجود العنصر الأمازيغي. بينما صحوة حفذة "ميس ن إيزا" اليوم لا هم لها سوى تنزيل وتفعيل كل هذه الحقوق في مختلف مناحي الحياة العامة. لكن المشهد المغربي اليوم يكشف لنا عن بعض التحركات التي ينبغي الاحتراز منها ووضعها تحت المجهر كونها مثيرة للريبة والشك وتنطوي على مخططات أقل ما يقال في شأنها غير بريئة. فالتماهي المفاجئ لبعض الأحزاب بالتظاهر في تبنيها للقضية الأمازيغية يثير عدة تساؤلات حول مدى جدية هذه الأحزاب في تعاطيها مع هذه القضية، كما يحمل على الاعتقاد، إلى أن يثبت العكس، أن ما يرمي إليه ذلك هو إفراغ القضية من محتواها والإلتفاف عليها للحد من قوة الدفع التي ميزت انطلاقة الحركة الأمازيغية في هذه المرحلة. ونحن من حيث المبدإ لا نريد أن نتخندق ضد هذا التبني ما دامت القضية الأمازيغية هي قضية كل المغاربة، وهكذا يجب أن تفهم وهكذا ينبغي أن توضع في هذا السياق وهو السياق الوطني المطلوب. لكن ما هو غير مرغوب فيه ومرفوض هو أن يتخذ هذا التبني طابعا احتفاليا ومهرجانا خطابيا خاليا من أي مضمون وفارغا من أية شعارات مكتوبة على الأقل بحرف "تيفيناغ"، وذلك في إشارة هامة من الحزب المعني مؤداها عدم اعترافه بوجود هذا الحرف الذي أقر بالأغلبية الساحقة من طرف مختلف الفعاليات والباحثين على تعدد مشاربهم، واعترف به من قبل المنظمة الدولية إيزو ـ بونيكود، واعتمد كحرف في منظومة المايكروسوفت. كما أنه يشكل الحرف الوحيد الملائم لمخارج حروف ليست إلا في الأمازيغية، كما هو الحرف المعبر عن خصوصيات ومكامن وذرر هذه اللغة التي لا تستقيم مع الحرف العربي أو اللاتيني. كما أن الظهير الشريف المحدث للمعهد الملكي نص في بنده الثالث على تنميط حرف "تيفيناغ" وتقعيد اللغة الأمازيغية. ولذلك، نتساءل في هذا الصدد، كيف صح لأشقائنا الأمازيغيين الذين سخرهم ذلك الحزب في ذلك المهرجان ألا يلتفتوا من ورائهم ليتبين لهم خلو القاعة من الحرف الأمازيغي. فغيرتهم على الأمازيغية ليست موضع شك، ولكن حضورهم وتواجدهم في ذاك الحزب يفترض فيه أن يكون لرصد التيار المناوئ والتصدي له، ويدفع باتجاه خدمة القضية، وأن يكون القول مقرونا بالفعل . فما هو هذا الفعل؟ فالمطلوب من الأحزاب التي تريد التماهي مع القضية أن تلتقي على أرض الواقع مع مطالب الحركة الأمازيغية بتفعيل مقتضيات الدستور من خلال الحرص على تنزيل قانون تنظيمي في هذا الشأن. هذا التنزيل ينبغي أن يطال مختلف مجالات السياسة العمومية، من بينها : ـ إدخال اللغة الأمازيغية كلغة إجبارية في المنظومية التربوية بجميع مراحلها الدراسية والتشديد على إجراء امتحانات بشأنها كباقي اللغات ـ إحداث مراكز على الصعيد الوطني لتكوين المعلمين والمدرسين، وإزالة العوائق التي تحول دون تفعيل مسلسل إدماج تدريس اللغة الأمازيغية في المدرسة العمومية ـ وضع برامج تربوية تعيد النظر في كتابة و قراءة التاريخ المغربي بالشكل السليم والصحيح بدءا من عهوده القديمة وإلى غاية العصر الحالي ـ اعتماد اللغة الأمازيغية كلغة المرافعة في القضاء شفاهيا و في كتابة المذكرات حتى يتسنى فتح المجال للمغاربة الذين لا يتحدثون اللغة العربية ـ اعتماد اللغة الأمازيغية في الإدارة المغربية كلغة تواصل مع المواطنين الذين لا يتقنون سوى هذه اللغة ـ الحرص على فتح المجال للأكاديميين الأمازيغ للحضور في جميع المجالس العليا التي تعنى بوضع الخطط الاستراتيجية في مجال التربية والتعليم وفي مجال اللغة ـ تأهيل الإعلام الأمازيغي بالكفاءات والأطر ورصد ميزانيات مهمة لدعمه لجسر الفوارق بينه وبين الإعلام الناطق باللغة العربية أو الفرنسية. هذا صك بيننا وبينهم، وهو الحد الفاصل بين الحق والباطل وبين التبني الحقيقي والتماهي المدسوس المغشوش. ومن أبان عن صدقه وسريرته في التعايش لا التحايل فعلى الرحبة والسعة، ولا مانع في خدمة القضية من أي موقع كان. فالأمازيغيون، كما عهدهم التاريخ، دعاة وحدة لا تفرقة. وإن كانوا أنصارا لحملة الدين الحنيف من المهاجرين الأشراف، فإن إباءهم وشموخهم يأبى الإقصاء ويرفض التهميش وطمس الهوية. ومن استعان بالحرباء في تغيير جلده، كاللعبة الماكرة التي نتفرج عليها اليوم، فليبحث لنفسه عن موطئ قدم في سياق زمن ولى من الرياء والنفاق. فمغرب اليوم فضاء للتنوع وفي ذلك سر من أسرار قوته، فلا تحبطوا العزائم، بل لن تقووا على معاكسة مجرى التاريخ.


0 التعليقات: