عن رجال عظماء أتحدث.. أمهاتكم
الأربعاء 17 شتنبر 2014 - 17:14
يضيق الحرف وتضيق الكلمة والجمل قاصرة حين تتسع الرؤية مع اعتذاري لتحوير كلام النفري، فمداد القلب غير كافي لأكتب به في سعيي لإرضائكن وخفقان روحي غير مجزي بعبير يفوح بعطائكن، بل أقول أني رأيتها فرصة ومناسبة حين فكرت في تشغيل حاسوبي وبدأت بفتح ملف جديد لأكتب عن موضوع أرجأته وأخرته عن شخصيات أولئك الرجال العظماء...أمهاتكم، اللائي أعتبرهن أكبر وأكثر من كل وأي كلمات بإمكاني تحريرها وخطها. يدرك الإنسان صعوبة الكتابة عن مثل هكذا موضوع، وصعوبته تكمن من خوفي من ركاكة أسلوبي وعدم توفقي في اختيار العبارة أو الجملة المناسبة. وقد أردت خلق المفاجأة الجميلة لي و لكم، وأرجو منك قارئي العزيز التماس العذر لي مسبقا إن كان اجتهادي قد خيب ظنك. عجزت كلمات مقالتي عن الكتابة عن أمي وأمهاتكم، إنهن يجرين في دمكم وأمور أخرى ليست بجديدة عليكم، حاملات أسراركم وأنتم أطفال عندما كان يجمعكم بهن الحبل السري، والذي فُصِل عند ولادتكم لكنه تواصل بحبل الوداد؛ حبهن، مشاعر ربانية وأحاسيس ومعان إلهية، ليس بعادة عادية وهذا من كلام رب العباد لكن حبهن أصلا عبادة وكيف لا والجنة تحت أقدامهن. لم أستطع ولا إمكاناتي سمحت لي بالقيام بترجمة لغة آتية من السماء إلى لغة سهلة مفهومة بالنسبة لسكان هذه الأرض رغم الكثير من المحاولات، فكيف بإمكانكم ترجمة وشرح من يستضفنكم ربانيا، وبطريقة يصعب عليكم فهمها وإدراكها، خلال مدة لا تزيد عن تسعة شهور و لا تقل عن ستة أشهر دون إزعاج وفي سلام وطمأنينة وأمان من جوع وخوف، كنتم تتكونون وتتشكلون في سكينة وفي وضعية منقلبين على أنفسكم، غير منزعج بالك –الذي مازال تكوينه غائبا--، غير مبالين بهموم الأكل والشراب أو أموال أو ماضيكم أو مستقبلكم فبالأحرى حاضركم، تلك الرقعة الزمنية الأزلية التي لا يمكنكم زيادتها في أعماركم الشاهدة على تكوين أبجدياتكم الرئيسية في الحياة والتي قوامها تسعة أشهر تامة وكاملة كنتم قاطنين وساكنين مُظَللِين في بطون أمهاتكم، رقعة غير منتمية ومستقلة زمنيا، رقعة من الروعة بالمكان لأن تاريخها يخصكم لوحدكم دون مشاركة أي كائن ما كان سوى أمهاتكم فقط على وجه هذه الأرض ظهر البسيطة. وبعد حلولكم إلى تلكم الحياة واستخدام عَدَّاد زمن أعماركم، بدأت بفترة عدم إدراككم للأمور قد تكون بعد، كانت مهمة أمهاتكم الاضطلاع بتلكم المهمة التي حباها بهن الله، كن ملائكة يمارسن مهمة الحراسة الجسدية والنفسية والمسؤولية الروحية عنكم في طفولتكم المشاغبة. لقد اختلفت الأمور الآن لأنكم كبرتم فجأة فأصبحتم لا تبالون بكلامهن ونصحهن إياكم بالابتعاد عن السجائر ورفقة السوء وعن دراستكم والانتباه لدروسكم لأن العمر كالعطر تستعمله فيطير بسرعة، ولأنهن لا يعرفن التجريح فهن في بعض الأحيان يبتن جرحى. إنهن ببساطة الأروع في العالم ليس فقط بإعطائكم الحياة لكن أيضا بجعلها رائعة، يبتسمن رغم معاناتهن، احترامهن واجب مقدس لأنهن يصفحن بسرعة ولو كنتم قساة اتجاههن، إنهن: حياتكم، أرواحكم، قلوبكم، دماؤكم، ملائكتكم وجذوة سعادتكم، إنهن جزء منكم، إنهن سبب وجودكم في هذا العالم، أحبوهن وأحسنوا لهن، عاملوهن بعدل ومساواة. إنهن أنقى وأنصع رمز لنجاح المرأة في دنيا البقاء والوجود، واعلموا أنهن مثل القطن، لين من الداخل والخارج وينظف جميع جراحكم وحتى شروركم ووحدهن أمهاتكم يعرفن معنى كلمة الانتظار. إنهن مثل الورود والأزهار فاتنات موهوبات وهن أفضل ممرضات لكن لا يذبلن، ولأنهن مقتنعات بحبهن لكم، هو حب أعمق من المحيطات، المعنوي فإنهن ينظرن لكم ولصوركم وأنتم أطفال كفراخ البجع وليس كفراخ البط القبيح، إنهن نور يضيء أعين سبيلكم، إنهن ركن وعمود ثابت في الأسرة بدونه ينكسر وينهار كل شيء، إنهن كالمدينة التي ازددتم فيها والتي أبدا لن تنسوها، قلوبهن مثل هاوية في جوهرها غفران وصفح وجمالهن يفوق مجد الطبيعة، إنهن مثل "فلاح" يزرعن البساتين لتستظلوا بشجرها وتأكلوا من ثمرها وتشربوا من نبعها ماء نميرا لترتووا به و منه حين تجف مشاعركم من كل من يجاوروكم ويحيطون بكم فهن ينابيع لا تنضب و لا تجف، إنهن أراضي فلاحية خيرها كبير وعطاؤها كثير ولا تنتظر المقابل. لم أجد أجمل من أبيات لأبي علاء المعري يقول فيها: العَيْـشُ مَاضٍ فَأَكْـرِمْ وَالِدَيْـكَ بِـه والأُمُّ أَوْلَـى بِـإِكْـرَامٍ وَإِحْـسَـانِ // وَحَسْبُهَا الحَمْـلُ وَالإِرْضَـاعُ تُدْمِنُـهُ أَمْـرَانِ بِالفَضْـلِ نَـالاَ كُلَّ إِنْسَـانِ، لأختم بدعوة إلى الله أسأله فيها الرحمة والمغفرة لأمي ويدخلها الفردوس الأعلى، ويعينكم على بر أمهاتكم وطاعتهن والإحسان إليهن، ويحفظهن الله من كل سوء وشر ويجزهم عنكم خيرا ويرحمهن كما ربوكم صغارا.
0 التعليقات: