استذكار وتأملات في المشهد المصري
السبت 11 أبريل 2015 - 14:37
إذا كانت مأساة سوريا لا تضاهيها مأساة في الفترة المعاصرة، بما استحقت عن جدارة لقب مأساة القرن، و إذا كان الشرق الأوسط كله يغلي على كف عفريت من ليبيا غربا إلى العراق شرقا، ومن اليمن جنوبا إلى سوريا شمالا، دون أن ننسى أفغانستان، وهذا لما ينيّف على العقد، فإن الحالة المصرية حالة خاصة بكل المقاييس.. ذلك أن جل الحالات الأخرى لم تذق قط طعم التجربة الديمقراطية، ولا مذاق الاستقرار الشعبي، حيث أن حالتها إما نتجت عن تدخل أجنبي مباشر(أفغانستان والعراق)، أو أن النظام واجه الاحتجاجات ومطالب التغيير باستمساك بقوة الحديد والنار، في رغبة جامحة في البقاء ولو على أشلاء البشر وخراب الحجر(سوريا)، أو أن قوى الثورات المضادة خرجت من الباب لتعاود الدخول على الفور من النوافذ(ليبيا واليمن)، أما في مصر التي نعمت باستقرار مؤسساتي وشعبي كبيرين، أهم مؤشر عليهما مرور خمس استحقاقات مشهود لها ديمقراطيا في ظرف زمني وجيز، نتج عنه إرساء قواعد وآليات العمل المؤسساتي المدني والتداول الديمقراطي السلمي للسلطة، ما يجعل مما وقع فيها من انقلاب على كل الشرعيات لا يعدو أن يكون خيانة عظمى لكل مكونات المجتمع المصري المدنية، وطبقاته السياسية، ومؤسساته الدستورية، وفئاته الشعبية... وخيانة الحكام والساسة في بلاد العُرب -مع أنها أكبر الجرائم وأفظعها على الإطلاق- متفشية متواترة ومطبعا معها، ما دام ديدنهم الحفاظ على مقاعدهم على حساب مصالح المواطنين، ولو أدى الأمر إلى تسليم زمام القيادة الفعلية إلى قوى خارجية، أو تخريب البلدان عن بكرة أبيها.. وهي أيضا أوضح ما تكون حين تُقترف من طرف قيادة "دولة كبرى" ذات تاريخ وجغرافيا وحضارة وديمغرافيا وموارد... على أجيال من البرايا، لمدة عقود من الزمن، وتخرج من الحكم تحت تهديد الجماهير، والبلاد خربة في اقتصادها واجتماعها: مديونية، وعجز، وإفلاس، وتردّ، وفقر، وتسول، وأمية، وسكن في المقابر، وبنية مهترئة، وأبناء شوارع، ورشوة، وزبونية... كل السيئات على الإطلاق، دون استثناء.. ومع ذلك "تحاكم" زمرة من أباطرتها، وتعاد هذه الهزليات مرات، في ظروف فندقة خمس نجوم!!! في انتظار البحث والتحقيق والتوثيق والاستناد... لتسفر في الأخير عن براءات!! ومن يدري، لعل الغد يأتي بدعوى مضادة على الدولة والشعب، لرد الاعتبار!!! براءة رأس الأفعى والخائن الأكبر الذي دمر البلد لمدة ثلاثة عقود، استحل فيها البلد مزرعة له ومرتعا لوباءات صعاليك الأمريكان، ومكاري بني صهيون، ومعتوهي الخليج،، هذا المومياء المحنطة المصبوغة الشعر، تراه يسهب مفاخرا -وكأنه قد أُطلع على منطوق الحكم مسبقا- في "بيانه السياسي" الاستعراضي المطول المنقول مباشرة على شاشة الفضائيات في ما يسمى زورا بـ"المحاكمة"، فيقول بكل بجاحة ووقاحة أنه ضحى من أجل مصر!! والتساؤل ملح هنا: هل وُجد "زعيم" عربي ضحى من أجل بلده؟ وهل مفهوم التضحية مستوعب ومدرك عند هؤلاء الأميين؟ وإذا كان الجواب بنعم فأين تجسيدهم له على الأرض؟ وما هو نقيضه في حالة لم يضحوا(هل هناك أنانية أكبر مما هي فيهم، أم هناك درك أدنى مما نحن فيه)؟؟!!! وفي نفس "البيان"، يصرح "المتهم" "المحاكَم" قائلا: {انتصرت على الإرهاب في الثمانينات والتسعينات،، و"س(ن)نتصر" عليه اليوم بفضل القيادة الحالية}، ولا يدري متابع هل هذا منطق متهم أم منطق رئيس دولة؟؟!!! في الكفة الأخرى للمقارنة وتجلية عناصر الخيانة، وفي نفس الحين، جماعة من الناس تمثل شريحة واسعة من المواطنين بمختلف طبقاتهم وفئاتهم، وتعتبر من أقدم التنظيمات السياسية المعاصرة تاريخا، وأكثرها انتسابا وانضباطا، تضم نخبا مجتمعية في شتى أصناف العلوم والتخصصات، وأوسع قاعدة شعبية على الإطلاق، أسست شبكات اقتصادية واجتماعية تنافس الدولة في العمل الخيري التكافلي والنشاط التربوي والجهد التطبيبي... كانت عمود الثورة، حازت على ثقة الشعب في خمس استحقاقات حرة نزيهة شفافة متتالية، حكمت سنة من الدهر، يحاكَم كل من فضُل عن القتل من أعضائها!!! ويحكَم بالإعدام على مئات من قياداتها!!! فحتى لو تم التسليم افتراضا بقبول بعض الادعاء، كيف يستطيع عقل استيعاب مفهوم "التناسبية" بين "الجرمين" والحكمين/العقوبتين؟؟؟!!! لكن يبدو أن الناس قد اصطُفوا للابتلاء قصد التمحيص والإعداد، فنُصبوا ليعاد عليهم تطبيق سيناريو عبد الناصر بحذافيره، وربما أشرس، وطبعا كما فشل السابقون في احتواء التنظيم أو استئصاله أو تحجيمه أو تحييده، بل زاد وهج الناس توقدا، وفكرهم تبنيا وتغلغلا، وتنظيمهم انضباطا وإحكاما، ودعوتهم انتشارا... سيفشل اللاحقون، لأن الأكيد أن الخسيس لن يكون أشطر ولا أقدر في عصر الانفتاح الحقوقي، والتفتق المعلومياتي، والانتشار الإعلامي. وللإنصاف واتساع الأفق ووضوح الرؤية، يجدر طرح سؤال حول مصير البلد: ماذا لو ركب الناس أدمغتهم، وتهوروا، وعاندوا، وغامروا بمستقبل البلاد، وواجهوا القوة بالقوة، وهم على ذلك قادرون، بل إن هذا هو حلم العصابة الحاكمة، وداعميها في تل أبيب؟؟!!! إن هذه الخيانة وإن كان ظاهريا أبرز ضحاياها المباشرين الرئيس المنتخب وقيادات ومنتسبو فصيله الفكري، إلا أنها لن يفلت من تبعاتها أحد من الشعب المصري على المديين القريب والمتوسط.. القاعدة أن سمات الجرائم العظمى وعلاماتها لا تخفى، ومن أهمها التخبط والعشوائية المؤدييْن بالضرورة إلى التناقض والفضيحة، فعلى سبيل المثال، وفقط فيما يخص شخص الرئيس، من لا زال يتذكر أنه في بداية الانقلاب تم اختطافه وتغييبه مدة طويلة دون أن يُعرف له مكان تواجد، وعندما سئل الانقلابيون عن ذلك، أجابوا بأنهم إنما فعلوا ذلك حرصا منهم على سلامة الرجل من أي أذى قد يلحِقه به "الثوار" الغاضبون،، ومرت الأيام والليالي... فأصبح الرجل متهما بتهمة أولى،،، ثم مرت أيام وليال أخرى، ليتم اكتشاف/اختراع تهمة أخرى,,, وهكذا إلى أن أصبحت تهما!!!
هل مر في زمان ومكان ما في الوجود اختطاف قبل اتهام؟؟!!! ثم من لا زال يتذكر أن المنقلب كان قد أعطى عهدا ألا يترشح لمنصب سياسي، وأنه إن فعل يكون فعلا قد قام بانقلاب، وجسد حكم العسكر!!! إن "الرئيس الزعيم المشير عبد الفتاح السيسي" إنما جاء ضدا على الإرادة الشعبية المفرزة للمؤسسات المنبثقة، محمولا على جمال الثورة المضادة، منفذا أجندات العم صام، والخال كوهين، والكفلاء "رؤوس تحت الصفر"، في تحد سافر لكل خيارات الشرعية بكل أبعادها ومكوناتها.. فبعيدا عن كثرة التحليلات لأجل سرد المسوغات، والغوص في بحار الشرعيات بين شرعية المؤسسات، وشرعية الشارع، وشرعية الإنجاز... بعيدا عن كل هذا الذي قد أسال أنهارا من الحبر في حينه، وإلى اليوم.. وبغض النظر عن مفهوم الديمقراطية، وعن القوة الكمية والنوعية لتيار الإخوان، والتي تطرح أسئلة عميقة وملحة حول إمكانية استئصاله عمليا على أرض الواقع كما يراد له الآن.. وبغض النظر أيضا عن فحوى فكر التيار في حد ذاته، ونقده من حيث التناسق المرجعي، ومن حيث دراسة الجدوى التي يقدمها للمجتمع الذي ينشد بناءه،،، وإذا كانت تهمة "أخونة المؤسسات" قد سقطت بقوة انقلاب كل تلك المؤسسات في ساعة الصفر.. وبما أن شرعية الشارع أو الشرعية الثورية قد سقطت بسبب "ثورة 6 ساعات" الفريدة في التاريخ للمخرج خالد يوسف، وكذا بسبب "ثورة 0 ضحية"، وأيضا بسبب تحالف ""الثوار"" مع الأجهزة الضبطية الشرَطية والعسكرية... والتي لا تقوم الثورات إلا عليها.. فإن التمحيص يبقى إذن مرتبطا بـ "الرأس الثالث": عامل الإنجاز، ذلك أن الاتهام كان بالفشل في تدبير المعيش.. وعليه فالتساؤل هو: هل فعلا كان هناك فشل واقعي، أم إعلامي فقط ليس إلا؟ لأن الأكيد أنه لو كانت هناك بوادر فشل فعلا، لتُرك النظام يتهاوى ذاتيا.. ثم هل كان هناك "فشل" أم "إفشال" وتكالب كوني داخلي وخارجي؟ وكم دامت مدة التسيير حتى يتم التقييم(ناهيك عن أن تقييم الإنجاز مناطه صناديق الاقتراع من أجل التزكية أو الطرد)؟؟...بل كيف يستساغ لمن "أنكر" على غيره ضعف الإنجاز "الذاتي" خلال عام، أن يورط الشعب المصري كله في اكتتابات وعطايا وتضحيات،، ثم يطلب منه أن يصبر على الجوع، وأن يمهله خمس سنوات من أجل حل مشكل الكهرباء وحده مثلا؟؟!!! الخمس سنوات هذه كانت هي مدة فترة الانتداب الانتخابي، والحالة هذه كان الأولى ترك الرجل يكمل مدة انتدابه!!! -اعتراضيا، بالنسبة لرتبة "مشير"، والتي تعتبر أعلى رتبة عسكرية، بما أن "المشير" السيسي قد أخذها من فوق السرير، دون أن يشارك في أية حرب، وبما أن السيد أبا خالد محمدا الضيف -القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام- قد استحق أعلى رتبة عسكرية في الميدان عن جدارة واستحقاق، لكنه ليس في عالم بني البشر الآن من ينصف المجدين المجيدين، فإني أقترح وألتمس ممن له الصفة والصلاحية والاختصاص أن يناشد السيد أبا خالد التصدقَ على "المشير" المزور بالوسام الحقيق، وكلي أمل أن الضيف لن يمانع، لأنه كريم من جهة، ولأنه ليس في حاجة لهكذا وسام، من جهة أخرى..-
0 التعليقات: