استذكار وتأملات في المشهد المصري
الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 23:09
الجزء الثاني بالعودة إلى جوانب الموضوع، تجدر الإشارة إلى أن الخسيس هو رسول فعلا، أرسله أعداء الأمة بشكل فاضح للقضاء على أي أمل في نهوضها، وذلك بتقويض كل دعائمها المؤسساتية والمدنية والفكرية والعقدية المنبعثة من تحت الرماد، وعليه تحسب له شجاعته الوقحة، وجرأته الفاجرة، ووضوحه السليط.. ذلك أنه قصد المقصود مباشرة، فعرف الداء واقترح له الدواء، هكذا وبشكل مباشر، دون لف ولا دوران: الإشكال في الأصل، والأصل إنما هو نص، ومداواة علل النص حذف.. فالنص إما يكون أو لا يكون.. استئصال راديكالي، فكيّ ليس بعده داء، ولا حاجة لدواء.. لأن الترميم هنا غير مناسب، ولا مُجد، ولا ممكن أصلا، فالإشكال كامن في مفاهيم بدائية مبدئية قارة: "الجهاد"، "القتال"، "الشهادة"، "الكفر"، "العدل"... وهي مفاهيم نصية غير قابلة لتأويل أو تحوير أو تحويل تفسير،، ولو بليّ عنق النص!! لذا يجب الاعتراف لـ"الرجل" بسابقة أن قد جلى ما حوله يدندن القوم، ويغمزون: تنقيح "الكتاب" مما يقض مضجع غالبية سكان الكوكب، وحذف تلك النصوص التي تجعل المسلمين في تصادم مع العالمين!!! ويعتبر توكيله العلني هذا للدفاع عن أعداء الإسلام مناط "نجاحه" إلى غاية الآن، تماما كما ساعده على ذلك اعتماده استراتيجية "ثورية" في محاربة الدين. فبعد فشل توظيف كل الإيديولوجيات الداخلية والخارجية،، ولأنه عرف من أين وكيف تأكل الكتف، فقد "اهتدى" الخسيس لمحاربة الإسلام بـ"إسلام" شيوخ الارتزاق(أحمد الطيبي ومظهر شاهين وعلي جمعة...)!! إلا أن الثورات مد وجزر، والحروب معارك، قد يخسر طرف جولة وقد يربح أخرى، لكن العبرة بالخواتيم، ولنا في التاريخ مواعظ وعبر، فالثابت المسلم به أن هذا المشروع المراهن عليه كونيا لن ينجح أبدا، ببساطة لأنه فوقي مفروض، ولا يمكن أن يتغلغل في أوساط الشرائح، بل هو يعتمد -كما هو شأن كل مشاريع المنطقة لحد الآن- على توسيع قاعدة الفساد عبر إرشاء خيوط التحكم في المجتمع وأعيانه من "نخب" عسكرية وأمنية وإعلامية و"دينية" ورأسمالية وسياسية: منطق العصابة الذي لن يدوم أبدا، ما دام لا يمكنه الإحاطة بالشعب كله، ويعوزه التبني والإخلاص في التنزيل والأجرأة والتنفيذ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأن جدار الخوف المانع الذي كان يحمي الطغاة المستبدين، قد تم اختراقه عند نسبة معتبرة من أفراد الشعب، وحل محله توق كبير إلى الحرية والكرامة والقصاص والديمقراطية والمساءلة وتقاسم خيرات البلد... وفي الواقع شاهد ودليل.. فمظاهر الفشل والتيه لا تخطئها العين، سواء على مستوى الاستقرار الأمني، أو توفير حاجيات المواطنين من الكهرباء والغاز، أو ارتفاع الأسعار، أو الزيادة في الضرائب، أو طرح الاكتتابات، أو ارتفاع الدينين الخارجي والداخلي، أو الانحسار الدبلوماسي والعزلة الدولية... وكل هذا نتيجة طبيعية لما سبق، وكذا للتخبط بين الترويج للاستقرار من أجل الاستثمار، وفي نفس الوقت الترويج لـ"الإرهاب" من أجل الاستئصال، في ثنائية متضادة ماحقة لمداخيل الاستثمار والسياحة على حد سواء!!! كما أن الإفلاس والهوان والبؤس ومدعاة الشفقة تظهر على المنظومة الانقلابية عامة، وذراعيها القضائي والإعلامي بشكل خاص، في كل شبر وفي كل حين.. فقد أصبح يكفيهم البحث بـ"الفتيلة والقنديل" عن مواضع وهمية لتصدير أزمتهم، ولو تعلق الأمر بحماس والقسام، وعن مواضيع خرافية للفت انتباه الناس وتشتيت تركيزهم، ولو تعلق الأمر بـ"ذبح كلب"!!... الهيم والغي والضلال حاضر أيضا على مستوى التنظير والتعبئة والتسويغ السياسي، حيث أنه أصبح من المألوف عند القوم أنه إذا عارض طرف من الداخل أو الخارج "الإخوان" يسوّق على أنه إجماع وطني أو دولي ضدهم، أما إذا عارض أي كائن الدولة، فيقدم على أن الدولة تتعرض لمؤامرة!! المفارقة أن هذه الأحداث قد أظهرت بلاهة صادمة لدى نسبة لا يستهان بها من أهل مصر، الذين كان يروج لهم بريادية في الفطنة والنباهة والعلم والتعلم والثقافة وحسن التقدير وسمو الخلق... مثل ما كان يروج حول ريادية تونس بن علي في التعليم والاقتصاد(...) والحال أنه ليس بينهم وبين من رأى من المغاربة الملك في القمر فرق!! مغالطات فضحت.. سيل الزيغ بلغ الزبى عند افتضاح أمر العسكر والإعلام بخصوص القتل المتكرر لسرايا جنود ومجندي الجيش والأمن، حيث وصلت القناعة أن من يقتلهم هو من يصرح أنه يعرف مكان، وربما زمان، الهجمات ولا يحبطها، وهو من لا يحقق في قتلهم، ولا يعلن عن المتهمين بذلك، باختصار: من يقتل الجيش المصري هو نفسه من يقتل الشعب المصري.. على سبيل المقارنة والاستئناس، وفي إطار القلاقل الوارد حدوثها حتى في الديمقراطيات، يبقى الفرق هو طريقة تعامل الأجهزة الأمنية مع المحتجين في كل من الديمقراطيات و"الهمجيات".. ففي تزامن بين قمع عشرات الآلاف من المحتجين، وقتلهم، وسحلهم، واعتقالهم، والتنكيل بهم في شوارع المدن المصرية، وبين اندلاع مظاهرات احتجاج على قتل الشرطة لمواطن أمريكي، وقعت احتكاكات بين المتظاهرين والشرطة، فلجأت الدولة -أكبر قوة عسكرية على الكوكب، والتي تهب لإنقاذ سائح أمريكي مفرد علِق في وحل أحد مستنقعات ناميبيا- لجأت إلى إخلاء الساحة تماما من كل قواتها، فاسحة المجال للمتظاهرين كيما يفرغوا حنقهم بالأنشطة والشعارات والخطابات... ثم ينصرفون!! في مقابل من يقتل القتيل، ليقتل بعده المشيع، والمحتج والأخ، والصهر، والجار، والصديق... خلوصا إلى استنتاج بسيط: من يدافع عن شعبه، لا يستسيغ قتله، ومن خان شعبه، لا يتورع عن قتله.. كلمة إلى أطقم الإعلام البديل عبر شبكات التواصل الاجتماعي الذين يراهنون على الإحراج الإعلامي للصهاينة في القاهرة: الصهاينة لا يُحرجون، ولكم في إخوانهم في تل أبيب خير مثال وأحسن عبرة.. فالإحراج إنما يتعرض له ذو حياء ودماثة خلق وعزة نفس.. وهذه شمائل كلها منعدمة في فصيلة الكائنات هذه.. إنهم يؤمنون بتحقيق أهدافهم الدونية الحقيرة، بغض النظر عن أي ضابط معنوي أو أخلاقي أو اعتباري آخر.. وإنما غاية المتوخى هو إقامة الحجة!!!
0 التعليقات: