اخر المواضيع

زعماء " صغار "







كثيرة هي المشاهد التي تمر بنا أو نمر عليها الحابلة بثنائية " الكبير" و" الصغير " ، الكبير في ميدان ما أعني . طبعا ، هذه الثنائية مكرسة ، نظرا للاختلالات العديدة في الوضع والتمثل . وبقدر ما تتغذى هذه الثنائية على حدة الفوارق والتمثلات الثابتة التي تنام على موروث مغلق ، نراها سارية بيننا إلى حد أصبحنا نبلعها ،على الرغم من عسر الهضم. فعلى حذو الكبار في كل الميادين ، يولد زعماء صغار في كل الفروع : في الحزب مثلما في النقابة ، في المؤسسة الثقافية ، مثلما على رأس المؤسسات التربوية ..في كل الجمعيات والتجمعات أينما وجدت أو زرعت لابد من زعماء ينفخون الأوداج متى تكلموا ، يتربعون في نفيرهم ، لا يقبلون الرأي الآخر ولا حتى مناقشة أفكارهم التي حولوها إلى ديكورات متخشبة . قد يحلقون حولهم الناس ويخطبون و أحيانا دون رأس خيط ، بل ينثرون كلامهم وينتظرون التصفيق والتهليل..هذا الرهط المسطح الذي ابتليت به الإطارات ، لا يتوقف عند هذا الحد ، وفي حدود دائرته ، بل يحلم بمنافع ، وعلى قدر الأقدمية تتحقق العزائم كبعض فتات الظلام من أية جهة كانت ..في هذه الحالة تتعدد وجوه الزعماء الصغار ، وجه للخطابة ، وجه للظل ، وجه للعض في الآخر المنافس مهما كان طيفه ولونه ؛ والعض في " اللحم " مهما كانت الموائد..إلى حد يضيع معه الوجه الواحد . وهو ما يؤكد أن الزعامة في المجتمعات المختلة ، لا تقتضي الكفاءة والفراسة ، ولا الخبرة والكياسة ولا حتى الرأي والانسجام. بل التسطيح وشحذ الملكات النفسية والعقلية بقدرات أخرى في التموضع والضرب والاستباق...الأهم بلا منطق أن تخلق تابعين دون سؤال أو نظر. لأن " اللعبة "انبنت أساسا على التكتل والتحالف ، فلا بد من استدراج آخرين هم بمثابة أجساد مرقمة ، استدراجها بالثقل العاطفي وبالحشو حتى تميل الخرق ويسهل قيادتها لأي فكر أو مصير . الغريب أن هؤلاء الزعماء ، خلقوا حالة أخرى قد تتبلور إلى ظاهرة ؛ وهي أن الكل بدأ يتفردن بالمعنى البدائي للكلمة والاستهلاكي دون قيم ولا أفكار . وبالتالي كل فرد أصبح زعيما صغيرا لنفسه ، يعارض ويخالف الكل بكامل التسطيح دون جدل يدرك الرأس والأرجل . وهكذا فالاختلال الأول ، يولد اختلالا أعمق . وفي المحصلة ، يغدو الحوار صعبا للغاية ، لأن كل فرد يدافع عن تركته دون منطلقات ولا خلفيات..دون تحليل ولا إقناع . الشيء الذي يولد عنفا ظاهرا ومبطنا يغذي الحقد والكراهية دون مبررات موضوعية . وفي المقابل ، يمتد هذا الذاتي على صورته للموقع الذي نشغله ، فنشخصنه ، كأن المؤسسة في خدمة الشخص وليس العكس الزعماء على هذه الشاكلة ، يخشون الاختلاف ، لأنه يؤسس أساسا للتداول ؛فيكررون ببغاوية على غرار كبارهم مقولة " أن الأرض واسعة " ، فيتحول الإطار إلى قطعة ميراث للذين يحافظون على صورة نمطية للزعيم الذي يقرر بالصراخ ، ويرى بعيدا لتلك الكراسي المتاحة التي تقتضي قفزات دون طبقات . لهذا فالزعماء يوهمون الآخرين أنهم يخطون دوما إلى الأمام ـ دون اعتراف ولا نقد..ـ كما القطار الذي لايلتفت لعرباته إلى حين بقائه لوحده والصفير . وسيبقى الزعيم كذلك ولو في المتاحف التي لا متاحف لها في التاريخ....


0 التعليقات: